فصل: ثَانِيهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.باب الِاسْتِبْرَاء:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ:

.ثَلَاثَة أَحَادِيث:

.أَحدهَا:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاس: لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض».
هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب وَقد سلف بَيَانه فِي آخر كتاب الْحيض وَاضحا فَرَاجعه مِنْهُ.

.ثَانِيهَا:

أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «لَا تسق بمائك زرع غَيْرك».
هَذَا الحَدِيث سلف أَيْضا فِي الْعدَد وَاضحا.

.ثَالِثهَا:

«أَن سعد بن أبي وَقاص، وَعبد بن زَمعَة رَضي اللهُ عَنهما تنَازعا عَام الْفَتْح فِي ولد وليدة زَمعَة، وَكَانَ زَمعَة قد مَاتَ، فَقَالَ سعد: يَا رَسُول الله إِن أخي كَانَ عهد إليّ فِيهِ، وَذكر أَنه ألم بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقَالَ عبد: هُوَ أخي وَابْن وليدة أبي ولد عَلَى فرَاشه، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هُوَ لَك يَا عبد بن زَمعَة الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها. بِمَعْنَاهُ وَزِيَادَة وَقد ذكرته بفوائده فِي شرحي للعمدة فسارع إِلَيْهِ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات.

.وَأما آثَار الْبَاب:

فستة:

.أَحدهَا:

عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهما أَنه قَالَ: «وَقعت فِي نَفسِي جَارِيَة من سبي جَلُولَاء فَنَظَرت إِلَيْهَا فَإِذا عُنُقهَا مثل إبريق الْفضة، فَلم أتمالك أَن وَثَبت عَلَيْهَا فَقَبلتهَا وَالنَّاس ينظرُونَ وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد».
وَهَذَا الْأَثر لم أر من أخرجه عَنهُ إِلَّا ابْن الْمُنْذر فَإِنَّهُ ذكره فِي إشرافه بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: وَقد روينَا عَن ابْن عمر «أَنه قبل جَارِيَة وَقعت فِي سَهْمه يَوْم جَلُولَاء» وأسنده فِي كِتَابه الْأَوْسَط وَمِنْه نقلت بعد أَن لم أظفر بِهِ إلاّ بعد عشْرين سنة من تبييض هَذَا الْكتاب فاستفده وَللَّه الْحَمد.
فَقَالَ: ثَنَا عَلّي بن عبد الْعَزِيز، ثَنَا حجاج، ثَنَا حَمَّاد، أَنبأَنَا عَلّي بن زيد، عَن أَيُّوب بن عبد الله اللَّخْمِيّ، عَن ابْن عمر، قَالَ: «وَقعت فِي سهمي جَارِيَة يَوْم جَلُولَاء كَأَن عُنُقهَا إبريق فضَّة قَالَ: فَمَا ملكت نَفسِي أَن وَثَبت عَلَيْهَا فَجعلت أقبلها وَالنَّاس ينظرُونَ». وَبِهَذَا يتَبَيَّن أَن رِوَايَة الرَّافِعِيّ «فِي نَفسِي» صَوَابه «فِي سهمي» فَتَأَمّله.
قَالَ ابْن الْمُنْذر: ذكر لِأَحْمَد حَدِيث ابْن عمر هَذَا فَقَالَ: ذَاك عَلَى السَّبي لَيْسَ لَهُ أَن يردهَا وَالَّذِي تستبرئ، عَسى أَن تكون أم ولد لرجل أَو يكون فِي بَطنهَا ولد.
فَائِدَة: جَلُولاء- بِفَتْح الْجِيم وَضم اللَّام وبالمد- قَرْيَة بنواحي فَارس النِّسْبَة إِلَيْهَا جلولي عَلَى غير قِيَاس كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي وَعبارَة التَّهْذِيب أَنَّهَا بَلْدَة بَينهَا وَبَين بَغْدَاد نَحْو من مرحلة، وَقَالَ صَاحب التنقيب وَتَبعهُ البالسي فِي شرح التَّنْبِيه: بَينهمَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ فرسخًا وَعبارَة صَاحب التنقيب أَنه مَوضِع بِأَرْض الْعرَاق جرت فِيهِ وَاقعَة وَقعت سنة سِتّ عشرَة. وَعبارَة صَاحب المستعذب عَلَى الْمُهَذّب أَنَّهَا قَرْيَة من قرَى فَارس. وَعبارَة الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه أَنه بِالشَّام مَعْرُوف عقد سعد بن أبي وَقاص لهاشم بن عتبَة بن أبي وَقاص لِوَاء وَوَجهه فَفتح جَلُولَاء يَوْم اليرموك وَفِي ذَلِكَ الْيَوْم فقئت عينه قَالَ: وَكَانَت جَلُولَاء تسمى فتح الْفتُوح بلغت غنائمها ثَمَانِيَة عشر ألف ألف قَالَ: وَكَانَت سنة سبع عشرَة وَقيل تسع عشرَة قَالَ: وَقد قيل إِن سَعْدا شَهِدَهَا وَعبارَة النَّوَوِيّ فِي تهذيبه كَانَ بهَا غزَاة للْمُسلمين فِي زمن عمر وغنموا من الْفرس سَبَايَا وغيرهن بِحَمْد الله وفضله.

.الْأَثر الثَّانِي:

عَن ابْن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «عدَّة أم الْوَلَد إِذا هلك سَيِّدهَا حَيْضَة، واستبراؤها بقرءٍ وَاحِد».
هَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ: عَن نَافِع، عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: «فِي أم الْوَلَد يتوفى عَنْهَا سَيِّدهَا تَعْتَد بِحَيْضَة» وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن نمير، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «عدَّة أم الْوَلَد حَيْضَة» وَرَوَاهُ من حَدِيث عَمْرو بن صَالح الْقرشِي، ثَنَا الْعمريّ، عَن نَافِع قَالَ: «سُئِلَ ابْن عمر عَن عدَّة أم الْوَلَد فَقَالَ: حَيْضَة. فَقَالَ رجل: إِن عُثْمَان كَانَ يَقُول ثَلَاثَة قُرُوء. قَالَ عُثْمَان: خيرنا وَأَعْلَمنَا» قَالَ: فِي هَذَا الْإِسْنَاد ضعف، وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث أبي أُسَامَة، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَنهُ «عدَّة أم الْوَلَد إِذا مَاتَ سَيِّدهَا، وَالْأمة إِذا أعتقت أَو وهبت: حَيْضَة» قَالَ: وروينا عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: «تستبرأ الْأمة بِحَيْضَة».
قلت: وَأما أثر عَمْرو بن الْعَاصِ: «لَا تلبسوا علينا سنة نَبينَا عدَّة أم الْوَلَد إِذا توفّي عَنْهَا سَيِّدهَا عدَّة الْحرَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا» فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، وَضَعفه الدَّارَقُطْنِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ بالانقطاع بَين قبيصَة وَعَمْرو، وَأعله ابْن حزم بمطر الْوراق، وَهُوَ ثِقَة احْتج بِهِ مُسلم، وَلم ينْفَرد بِهِ بل تَابعه قَتَادَة، لَا جرم استدركه الْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.

.الْأَثر الثَّالِث:

عَن عمر رَضي اللهُ عَنهُ أَنه قَالَ: «لَا تَأتِينِي أم ولد يعْتَرف سَيِّدهَا أَنه قد ألم بهَا إِلَّا ألحقت بِهِ وَلَدهَا؛ فأرسلوهن بعد أَو أمسكوهن».
هَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن مَالك، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن أَبِيه أَن عمر قَالَ: «مَا بَال رجال يطئون ولائدهم ثمَّ يعتزلونهن لَا تَأتِينِي وليدة يعْتَرف سَيِّدهَا أَنه قد ألم بهَا إِلَّا ألحقت بِهِ وَلَدهَا، فاعتزلوا بعد أَو اتْرُكُوا». قَالَ: وثنا مَالك، عَن نَافِع، عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد، عَن عمر «فِي إرْسَال الولائد يوطئن» بِمثل مَعْنَى حَدِيث ابْن شهَاب، عَن سَالم وَلَفظه: «مَا بَال رجال يطئون ولائدهم ثمَّ يدعوهن يخْرجن، لَا تَأتِينِي وليدة يعْتَرف سَيِّدهَا أَن قد ألم بهَا إِلَّا ألحقت بِهِ وَلَدهَا، فأرسلوهن بعد أَو أمسكوهن».

.الْأَثر الرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَإِن ولدت- أَي: الْأمة- لسِتَّة أشهر إِلَى أَربع سِنِين؛ فالمنصوص وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه لَا يلْحقهُ الْوَلَد- يَعْنِي: إِذا نَفَاهُ- قَالَ: وَاحْتج لَهُ؛ بِأَن عمر وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس نفوا أَوْلَاد جوارٍ لَهُم، وَهَذِه الْآثَار ذكرهَا الشَّافِعِي إِذْ رَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الْأَصَم عَن الرّبيع قَالَ: قلت للشَّافِعِيّ: فَهَل خالفك فِي هَذَا غَيرنَا؟ قَالَ: نعم، بعض المشرقيين قلت: فَمَا كَانَ من حجتهم؟ قَالَ: كَانَت حجتهم أَن قَالُوا: انْتَفَى عمر من ولد جَارِيَة لَهُ، وانتفى زيد بن ثَابت من ولد جَارِيَة لَهُ، وانتفى ابْن عَبَّاس من ولد جَارِيَة لَهُ فَقلت: فَمَا كَانَ حجتك عَلَيْهِم- يَعْنِي: جوابك؟ قَالَ: أما عمر فَروِيَ عَنهُ أَنه أنكر حمل جَارِيَة لَهُ أقرَّت بالمكروه، وَأما زيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس؛ فَإِنَّهُمَا أنكرا أَن كَانَا فعلا ولد جاريتين عرفا أَن لَيْسَ مِنْهُمَا فحلال لَهما، وَكَذَلِكَ لزوج الْحرَّة إِذا علم أَنَّهَا حبلت من زنا أَن يدْفع وَلَدهَا وَلَا يلْحق بنسبه من لَيْسَ مِنْهُ، فِيمَا بَينه وَبَين الله عَزَّ وجَلَّ ثمَّ تكلم بِكَلَام طَوِيل.

.كتاب الرَّضَاع:

كتاب الرَّضَاع:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ ثَمَانِيَة أَحَادِيث:

.أَحدهَا:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يحرم من الرضَاعَة مَا يحرم من النّسَب».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحهمَا من هَذَا الْوَجْه، كَمَا سلف فِي بَاب مَا يحرم من النِّكَاح.

.الحديث الثَّانِي:

قَالَ الرَّافِعِيّ: الْوُصُول إِلَيْهَا- أَي: الْمعدة- يثبت الْحُرْمَة سَوَاء ارتضع الصَّبِي أَو حلب اللَّبن أَو أوجر فِي حلقه حَتَّى وصل إِلَى معدته؛ لِأَن الْإِرْضَاع مَا أنبت اللَّحْم وأنشز الْعظم، عَلَى مَا ورد فِي الْخَبَر.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه عَن عبد السَّلَام بن مطهر، عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، عَن أبي مُوسَى- هُوَ الهالي- عَن أَبِيه، عَن ابْن لعبد الله بن مَسْعُود «أَن رجلا كَانَ مَعَه امْرَأَته وَهُوَ فِي سفر فَولدت فَجعل الصَّبِي لَا يمص فَأخذ وَجها يمص لَبنهَا ويمجه- حَتَّى وجدت طعم لَبنهَا فِي حلقي- فَأَتَى أَبَا مُوسَى، فَذكر ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: حرمت عَلَيْك امْرَأَتك. فأتى ابن مَسْعُود فَقَالَ: أَنْت الَّذِي تُفْتِي كَذَا وَكَذَا وَقد قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا رضَاع إِلَّا مَا شَذَّ الْعظم وَأنْبت اللَّحْم»؟! فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا تسلونا وَهَذَا الحبر فِيكُم. قَالَ أَبُو دَاوُد: وثنا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَنْبَارِي، ثَنَا وَكِيع، عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، عَن أبي مُوسَى الْهِلَالِي، عَن أَبِيه، عَن ابْن مَسْعُود، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ: أنشز الْعظم. رجالهما، ثِقَات إِلَّا أَبَا مُوسَى الْهِلَالِي ووالده فَإِنَّهُمَا مَجْهُولَانِ كَمَا قَالَه أَبُو حَاتِم لما سُئِلَ عَنْهُمَا، لَكِن ذكر ابْن حبَان فِي ثقاته أَبَا مُوسَى، فَأَما ابْن عبد الله بن مَسْعُود فَلَا أعرفهُ.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده بِإِسْقَاط ابْنه كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد فَقَالَ: ثَنَا وَكِيع، ثَنَا سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة، عَن أبي مُوسَى الْهِلَالِي، عَن أَبِيه فَذكره بالقصة الأولَى، وَفِي آخِره: لَا يحرم من الرَّضَاع إِلَّا مَا أنبت اللَّحْم وأنشز الْعظم.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث النَّضر بن شُمَيْل، ثَنَا سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة كَمَا سَاقه أَبُو دَاوُد أَولا، ثمَّ من حَدِيث أبي حُصَيْن عَن أبي عَطِيَّة قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى أبي مُوسَى فَقَالَ: «إِن امْرَأَتي ورم ثديها فمصصته فَدخل حلقي شَيْء سبقني فَشدد عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى فَأَتَى عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ: سَأَلت أحدا غَيْرِي، قَالَ: نعم أَبَا مُوسَى فَشدد عَلّي، فَأَتَى أَبَا مُوسَى فَقَالَ: أرضيع هَذَا؟! فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الحَبْرُ فِيكُم».
قَالَ: وَرَوَاهُ الثَّوْريّ، عَن أبي حُصَيْن وزَاد فِيهِ عَن عبد الله «إِنَّمَا الرَّضَاع مَا أنبت اللَّحْم وَالدَّم».
فَائِدَة: أنشز يرْوَى بالزاي وَمَعْنَاهُ غلظ الْعظم، وَيروَى بالراء الْمُهْملَة وَمَعْنَاهُ الشدّة وَالْقُوَّة وَهُوَ يرجع إِلَى الأول فِي التَّحْقِيق.

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا رضَاع إلاّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي الْوَلِيد بن برد الْأَنْطَاكِي، ثَنَا الْهَيْثَم بن جميل، ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا يحرم من الرَّضَاع إلاّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ»، ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسْندهُ عَن ابْن عُيَيْنَة غير الْهَيْثَم بن جميل وَهُوَ ثِقَة حَافظ.
ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقُول: لَا رضَاع بعد حَوْلَيْنِ كَامِلين.
وَقَالَ ابْن عدي: هَذَا الحَدِيث يعرف بالهيثم بن جميل مُسْندًا عَن ابْن عُيَيْنَة وَغير الْهَيْثَم لَا يرفعهُ عَن ابْن عَبَّاس والهيثم هَذَا سكن أنطاكية، وَيُقَال: هُوَ الْبَغْدَادِيّ ويغلط الْكثير عَلَى الثِّقَات كَمَا يغلط غَيره وَأَرْجُو أَنه لَا يتَعَمَّد الْكَذِب، وَذكر ابْن أبي حَاتِم الْهَيْثَم هَذَا، وَقَالَ: وَثَّقَهُ أَحْمد بن حَنْبَل.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه أَولا مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس من حَدِيث سعيد بن مَنْصُور، ثَنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لَا رضَاع إلاّ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح مَوْقُوف، ثمَّ أوردهُ مَرْفُوعا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ السالفة، ثمَّ نقل كَلَام ابْن عدي السالف مُخْتَصرا إِلَى قولة ابْن عَبَّاس، وَكَذَا فِي الْمعرفَة الصَّحِيح مَوْقُوف وأعل ابْن الْقطَّان رِوَايَة الرّفْع بِأبي الْوَلِيد الأنطَاكِي فَقَالَ: لَا يعرف وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ. فَهُوَ مَعْرُوف الْعين وَالْحَال. ذكره النَّسَائِيّ فِي كناه فِيمَن كنيتهُ أَبُو الْوَلِيد فَقَالَ: مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْوَلِيد بن برد الْأَنْطَاكِي صَالح، وَذكره ابْن أبي حَاتِم فَقَالَ: رَوَى عَن الْهَيْثَم بن جميل وَأَبِيهِ، ورواد بن الْجراح، وَمُحَمّد بن كثير المصِّيصِي أَدْرَكته وَلم أسمع مِنْهُ، وَكتب إليَّ بِشَيْء يسير من فَوَائده.
وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ هُنَا أَن أَبَا الْوَلِيد هَذَا رَوَى عَنهُ الْحسن بن إِسْمَاعِيل، وَإِبْرَاهِيم بن دبيس بن أَحْمد وَغَيرهمَا، فَزَالَتْ الْجَهَالَة العينية والحالية عَنهُ وَللَّه الْحَمد. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن رَوَى عَن عمر وَابْن مَسْعُود التَّحْدِيد بالحولين: ورويناه عَن التَّابِعين سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وَالشعْبِيّ.
قلت: ويحتج لَهُ أَيْضا بِحَدِيث فَاطِمَة بنت الْمُنْذر، عَن أم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا يحرم من الرَّضَاع إِلَّا مَا فتق الأمعاء فِي الثدي وَكَانَ قبل الْفِطَام»، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حسن صَحِيح، وَعَزاهُ ابْن حزم إِلَى النَّسَائِيّ ثمَّ قَالَ: هَذَا خبرٌ مُنْقَطع؛ لِأَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر لم تسمع من أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ؛ لِأَنَّهَا كَانَت أسن من زَوجهَا هِشَام بِاثْنَيْ عشر عَاما، وَكَانَ مولد هِشَام سنة سِتِّينَ فمولد فَاطِمَة عَلَى هَذَا سنة ثَمَان وَأَرْبَعين، وَمَاتَتْ أم سَلمَة سنة تسع وَخمسين وَفَاطِمَة صَغِيرَة لم تلقها، فَكيف أَن تحفظ عَنْهَا، وَلم تسمع من خَالَة أَبِيهَا عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ شَيْئا، وَهِي فِي حجرها إِنَّمَا أبعد سماعهَا من جدَّتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر. وَتبع عبد الْحق ابْن حزم عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ فِي أَحْكَامه: تكلمُوا فِي سَماع فَاطِمَة بنت الْمُنْذر من أم سَلمَة، ثمَّ ذكر بعض كَلَام ابْن حزم وَيَنْبَغِي أَن تحرر رِوَايَة النَّسَائِيّ، فَلم أرَ أحدا من أَصْحَاب الْأَطْرَاف عزاهُ إِلَّا إِلَى التِّرْمِذِيّ خاصّة، وَقَول ابْن حزم: أَنه مُنْقَطع؛ لِأَن فَاطِمَة لم تسمع من أم سَلمَة وَذكر مولدها عَجِيب؛ لِأَن عمر فَاطِمَة حِين مَاتَت أم سَلمَة عَلَى مَا ذكر إِحْدَى عشرَة سنة فَكيف لم تلقها وهما فِي الْمَدِينَة. وَقد رُوِيَ عَن هِشَام أَيْضا أَن فَاطِمَة أكبر مِنْهُ بِثَلَاث عشرَة سنة فَيكون عَلَى هَذَا عمرها إِذْ ذَاك اثْنَي عشرَة سنة، وَعَلَى قَول من يَقُول إِن أم سَلمَة توفيت سنة اثْنَيْنِ وسِتِّينَ، خمس عشرَة سنة.
وَقد أخرج ابْن حبَان فِي صَحِيحه الحَدِيث الْمَذْكُور أَيْضا من هَذَا الطَّرِيق إِلَى قَوْله الأمعاء.
وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: «لَا يحرم من الرَّضَاع المصة وَلَا المصتان، وَلَا يحرم إلاّ مَا فتق الأمعاء».

.الحديث الرَّابِع:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «كَانَ فِيمَا أنزل الله تَعَالَى من الْقُرْآن عشر رَضعَات مَعْلُومَات يحرمن، ثمَّ نسخن بخمسٍٍ مَعْلُومَات فَتوفي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهن فِيمَا يقْرَأ من الْقُرْآن».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه كَذَلِك، وَقَوله: «وَهن فِيمَا يقْرَأ» أَي حكما كَمَا نبه عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ، وَقَالَ غَيره أَن النّسخ بِخمْس رَضعَات تَأَخّر إنزالهُ جدًّا حَتَّى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام توفّي وَبَعض النَّاس تقْرَأ خمس رَضعَات قُرْآنًا متلوًا لكَونه لم يبلغهُ النّسخ لقرب عَهده فَلَمَّا بَلغهُمْ النّسخ بعد ذَلِكَ رجعُوا عَن ذَلِكَ.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تحرم المصّة وَلَا المصّتان، وَلَا الرضعة وَلَا الرضعتان».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح وَله طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لَا تحرم المصّة وَلَا المصّتان».
رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ كَذَلِك من حَدِيث عبد الله بن الزبير عَنْهَا، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «لَا تحرم الْخَطفَة والخطفتان».
ثَانِيهَا: من حَدِيث أم الْفضل مَرْفُوعا: «لَا تحرم الإملاجة وَلَا الإملاجتان».
رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ أَيْضا وَذكر فِيهِ قصَّة، وَفِي رِوَايَة لَهُ «أَن رجلا من بني عَامر بن صعصعة، قَالَ: يَا نَبِي الله، هَل تحرم الرضعة الْوَاحِدَة؟ قَالَ: لَا»، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «لَا تحرم الرضعة أَو الرضعتان أَو المصّة أَو المصّتان».
وَفِي لفظ: «والرضعتان والمصتان» من غير ألف. والملج: الرَّضَاع. قَالَ الرَّافِعِيّ: قيل المُرَاد بالمصّة هُنَا الجرعة يتجرعها وبالرضعة الرضعة الثَّانِيَة.
ثَالِثهَا: من حَدِيث عبد الله بن الزبير أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا تحرم المصّة وَلَا المصتان» رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، وَالنَّسَائِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: الصَّحِيح عِنْد أهل الحَدِيث حَدِيث ابْن الزبير عَن عَائِشَة أَي كَمَا سلف عَن رِوَايَة مُسلم.
وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله، قَالَ: لِأَنَّهُ زَاد، وَأما ابْن حبَان فَأخْرجهُ فِي صَحِيحه.
رَابِعهَا: من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه «لَا يحرم من الرضَاعَة المصة وَلَا المصتان، وَلَا يحرم مِنْهُ إلاّ مَا فتق الأمعاء من اللَّبن» رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لَا يَصح مَرْفُوعا، وَصَححهُ غَيره. كَمَا قَالَ عبد الْحق؛ لِأَن الَّذِي رَفعه حَمَّاد بن سَلمَة وَهُوَ ثِقَة، وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى عبد الْحق، فَقَالَ: هُوَ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَلم يُنَبه.
تَنْبِيه: اعْترض ابْن جرير الطَّبَرِيّ عَلَى حَدِيثي عَائِشَة، وَأم الْفضل قَالَ: إنَّهُمَا مضطربان حَيْثُ رُوِيَ الأول عَن ابْن الزبير تَارَة وَبَعْضهمْ عَنهُ عَن الزبير مَرْفُوعا، وَبَعْضهمْ عَن عَائِشَة مَرْفُوعا، وَبَعْضهمْ عَنْهَا مَوْقُوفا، وَحَيْثُ رُوِيَ الثَّانِي عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن صَالح أبي الْخَلِيل، عَن عبد الله بن الْحَارِث، عَن مُسَيْكَة، عَن عَائِشَة مَوْقُوفا.
وَهَذَا الِاضْطِرَاب عَن الْقَائِل لَا يقْدَح إِذْ يحْتَمل أَنه سَمعه من الشَّارِع مرّةً بِوَاسِطَة ومرّةً بِدُونِهَا، فَحدث بِكُل مرّة عَلَى مَا سمع وَبسط تَارَة فَرَوَاهُ مَرْفُوعا وَلم يبسط أُخْرَى فَوَقفهُ، وَمن جملَة طرق مُسلم لحَدِيث أم الْفضل من حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن صَالح، عَن عبد الله بن الْحَارِث عَن أم الْفضل بِإِسْقَاط مسيْكة هَذِه، وَكَذَا رَوَاهُ بإسقاطها حَمَّاد بن سَلمَة، وَهَمَّام أخرجهُمَا مُسلم أَيْضا فَينْظر رِوَايَة مسيْكة من أخرجهَا فَإِن ثَبت حمل عَلَى أَن لسَعِيد بن أبي عرُوبَة فِيهِ إسنادين، وَقد أجَاب بِنَحْوِ مَا قُلْنَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه فَقَالَ: بعد أَن أخرجه من حَدِيث ابْن الزبير مَرْفُوعا عَن أَبِيه رَفعه: «لَا تحرم المصة والمصتان، وَلَا الإملاجة وَلَا الإملاجتان» وَبعد أَن أخرجه من حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا: «لَا تحرم المصة والمصتان» لست أنكر أَن يكون ابْن الزبير سمع هَذَا الْخَبَر من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وسَمعه من أَبِيه وخالته فَمرَّة رَوَى مَا سمع، وَمرَّة رَوَى عَنْهَا قَالَ: وَهَذَا شَيْء مستفيض فِي الصَّحَابَة.
تَنْبِيه: بِأَن ورد حَدِيث يُخَالف هَذَا الحَدِيث لكنه ضَعِيف مُنْقَطع ذكره عبد الْحق من حَدِيث ابْن وهب، عَن مسلمة بن عَلّي، عَن رجال من أهل الْعلم، عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل، عَن أم الْفضل بنت الْحَارِث قَالَت: «سُئِلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مَا يحرم من الرَّضَاع، فَقَالَ: الرضعة والرضعتان»، ثمَّ قَالَ: مسلمة بن عَلّي ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ، وَقد أنكر عَلَى ابْن وهب الرِّوَايَة عَنهُ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ حَدِيث مُنْقَطع.

.الحديث السَّادِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ: قد قرر أَن لبن الْفَحْل يحرم وَبِه قَالَ عَامَّة الْعلمَاء، وَعَن بعض الصَّحَابَة رَضي اللهُ عَنهم خِلَافه وَاخْتَارَهُ عبد الرَّحْمَن ابْن بنت الشَّافِعِي. لنا مَا رُوِيَ عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها «أَن أَفْلح أَخا أبي القعيس جَاءَ يسْتَأْذن عَلَيْهَا وَهُوَ عَمها من الرضَاعَة بعد أَن أنزلت آيَة الْحجاب، قَالَت:
فأبيت أَن آذن لَهُ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبرته بِالَّذِي صَنَعته، فَقَالَ: إِنَّه عمك فائذني لَهُ. فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا أرضعتني الْمَرْأَة وَلم يرضعني الرجل، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه عمك فليلج عَلَيْك»
.
هَذَا الحَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَأَبُو القعيس زوج الْمَرْأَة الَّتِي أرضعت عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها.
فَائِدَة: القَعَس: بقاف وَعين مفتوحتين ثمَّ سين مُهْملَة خُرُوج الصَّدْر وَدخُول الظّهْر ضد الحدب، يَقُول رجل: أقعس وقعس. فالواقع فِي الحَدِيث مصغر فَيجوز أَن يكون تصغيرًا لكل من الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة إِلَّا أَنه إِن كَانَ تصغيرًا لأقعس فَيكون مَحْذُوف الزَّوَائِد لكَونه تَصْغِير للترخيم وَمَا ذكره عَن بعض الصَّحَابَة قد أخرجه الشَّافِعِي عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن زَمعَة «أَن أمه زَيْنَب بنت أبي سَلمَة أرضعتها أَسمَاء بنت أبي بكر امْرَأَة الزبير بن الْعَوام، فَقَالَت زَيْنَب بنت أبي سَلمَة: وَكَانَ الزبير يدْخل عليَّ وَأَنا أمتشط فَيَأْخُذ بقرن من قُرُون رَأْسِي فَيَقُول: أقبلي عليّ، فحدثيني أرَاهُ أَنه أبي وَمَا ولد فهم إخوتي ثمَّ أَن عبد الله بن الزبير قبل الْحرَّة أرسل إليَّ فَخَطب إِلَى أم كُلْثُوم ابْنَتي عَلَى حَمْزَة بن الزبير وَكَانَ حَمْزَة للكلبية فَقَالَت لرَسُوله: وَهل تحل لَهُ إِنَّمَا هِيَ ابْنة أَخِيه، فَأرْسل إِلَيّ عبد الله بن الزبير إِنَّمَا أردْت بِهَذَا الْمَنْع لما قبلك لَيْسَ لَك بِأَخ أَنا وَمَا ولدت أَسمَاء فهم إخْوَتك، وَمَا كَانَ من ولد الزبير من غير أَسمَاء فليسوا لَك بإخوة فأرسلي فسلي عَن هَذَا، فَأرْسلت فَسَأَلت وَأَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم متوافرون وَأُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فَقُلْنَ لَهَا: إِن الرضَاعَة من قبل الرجل لَا تحرم شَيْئا فأنكحتها إِيَّاه فَلم تزل عِنْده حَتَّى هلك».
وَإِسْنَاده عَلَى شَرط الصَّحِيح، عبد الْعَزِيز من رجال الصَّحِيحَيْنِ، وَأَبُو عُبَيْدَة من رجال مُسلم.
ثمَّ ذكر الرَّافِعِيّ من حَدِيث عَائِشَة أثرا عَن ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: رَوَى الشَّافِعِي «أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن رجل لَهُ امْرَأَتَانِ أرضعت إِحْدَاهمَا غُلَاما وَالْأُخْرَى جَارِيَة أينكح الْغُلَام الْجَارِيَة فَقَالَ: لَا اللقَاح وَاحِد يَعْنِي أَنَّهُمَا أَخَوان لأبٍ» وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِن الشَّافِعِي رَوَاهُ عَن مَالك وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأ، عَن ابْن شهَاب، عَن عَمْرو بن الشريد عَن عبد الله بن عَبَّاس «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن رجل كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ فأرضعت إِحْدَاهمَا غُلَاما وأرضعت الْأُخْرَى جَارِيَة فَهَل يتَزَوَّج الْغُلَام الْجَارِيَة؟ فَقَالَ: لَا، اللقَاح وَاحِد» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه كَذَلِك سندًا ومتنًا إِلَّا أَنه قَالَ: «جاريتين» بدل «امْرَأتَيْنِ».

.الحديث السَّابِع:

لما ذكر الرَّافِعِيّ فِيمَا إِذا ارتضع من لبن در عَلَى وَطْء شُبْهَة وَلم يكن ثمَّ قافة وَلَا مَا يتَعَيَّن بِهِ كَونه ولد إِحْدَاهمَا هَل للرضيع أَن ينتسب بِنَفسِهِ فِيهِ قَولَانِ عَن الْأُم أَحدهمَا: لَا كَمَا لَا يعرض عَلَى الْقَافة وَيُخَالف الْمَوْلُود فَإِنَّهُ يعول عَلَى ميل الطَّبْع بِسَبَب أَنه مَخْلُوق من مَائه وأصحهما نعم كالمولود وَالرّضَاع يُؤثر فِي الطباع والأخلاق وَاسْتشْهدَ لذَلِك بِمَا يرْوَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَنا سيد ولد آدم بيد أَنِّي من قُرَيْش ونشأت فِي بني سعد واسترضعت فِي بني زهرَة». وَيروَى «أَنه أفْصح الْعَرَب بيد أَنِّي من قُرَيْش...» إِلَى آخِره.
هَذَا الحَدِيث ذكره الْفَقِيه نجم الدَّين بن الرّفْعَة فِي مطلبه وَلم يعزه إِلَّا إِلَى الْفُقَهَاء، فَقَالَ: رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: «أَنا أفْصح الْعَرَب بيد أَنِّي من قُرَيْش، وأخوالي بني زهرَة وارتضعت فِي بني سعد» كَذَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ قَالَ فِي الشَّامِل وَتَعْلِيق القَاضِي أَنه قَالَ: «أَنا أفصحكم وَلَا فَخر بيد أَنِّي من قُرَيْش ونشأت فِي بني سعد وارتضعت فِي بني زهرَة».
قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الرَّافِعِيّ قَالَ: وَالْمَشْهُور مَا قَالَه الْمَاوَرْدِيّ وَأَقُول أَنا الَّذِي ألفيته فِي كتب الحَدِيث بعد الفحص البليغ والتتبع الشَّديد.
مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث بَقِيَّة، عَن مُبشر بن عبيد، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضي اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أَنا النَّبِي لَا كذب أَنا ابْن عبد الْمطلب، أَنا أعرب الْعَرَب ولدتني قُرَيْش ونشأت فِي بني سعد بن بكر فَأَنَّى يأتيني اللّحن» وَهَذَا سَنَد ظَاهر الضعْف، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض فِي الشفا فِي الْبَاب الثَّانِي من الْقسم الأول وَقد قَالَ لَهُ أَصْحَابه: «مَا رَأينَا الَّذِي هُوَ أفْصح مِنْك، قَالَ: وَمَا يَمْنعنِي وَإِنَّمَا أنزل الْقُرْآن بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين...» وَقَالَ مرّة أُخْرَى: «بيد أَنِّي من قُرَيْش ونشأت فِي بني سعد».
وَفِي غَرِيب أبي عبيد وَكتاب الْمَطَر لِابْنِ دُرَيْد من حَدِيث مُوسَى بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما وصف سحابه طلعت عَلَيْهِم، قَالَ: يَا رَسُول الله مَا رَأينَا الَّذِي هُوَ أفْصح مِنْك قَالَ: وَمَا يَمْنعنِي وَإِنَّمَا أنزل الْقُرْآن بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين».
وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَطَر والرعد مُرْسلا من حَدِيث مُوسَى بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن أَبِيه، قَالَ: «كَانُوا عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَوْم دخن، فَقَالَ: مَا ترَوْنَ بَواسِقَها..» فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: «فَقَالَ لَهُ رجل: يَا رَسُول الله مَا أفصحك أَو مَا رَأَيْت الَّذِي هُوَ أعرب أَو أفْصح مِنْك، فَقَالَ: حق لي وَإِنَّمَا أنزل الْقُرْآن بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين»، وَرَوَاهُ الرامَهُرْمُزِي فِي أَمْثَاله بِنَحْوِهِ هَذَا مَا وجدته بعد التتبع من مظانه، وَذكره صَاحب الْمُهَذّب بِلَفْظ: «أَنا أفْصح الْعَرَب وَلَا فَخر بيد أَنِّي من قُرَيْش ونشأت فِي بني سعد واسترضعت فِي بني زهرَة». وَلم يعزه صَاحب التنقيب كعادته فِي الغرائب وَإِنَّمَا تكلم عَلَى أَفْرَاده فَقَالَ: قَوْله: «بيد أَنِّي من قُرَيْش» مَعْنَاهُ أَنِّي من قُرَيْش أَرَادَ بذلك تفخيم أَمر قُرَيْش، قَالَ: وَيروَى «ميد» بِالْمِيم بدل الْبَاء، وَالْمِيم بدل إِحْدَاهمَا من الآخر. كَمَا يُقَال ضرب لَازم، ولازب، وَقَالَ صَاحب المستعذب عَلَى الْمُهَذّب «بيد» يكون بِمَعْنى غير، يُقَال: إِنَّه لكثير المَال بيد أَنه بخيل، وَمَعْنَاهَا هُنَا: لأجل أَنِّي من قُرَيْش، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: مَعْنَاهُ غير أَنِّي من قُرَيْش، وَقيل: عَلَى أَنه من قُرَيْش، وَقَوله: نشأت فِي بني سعد أَرَادَ مقَامه عِنْد حليمة السعدية لِأَنَّهَا مرضعته، وَفِي الصِّحَاح نشأت فِي بني فلَان نشأة ونشوءًا إِذا شببت فيهم. وزهرة أَبُو قَبيلَة، وَقَوله: «وَلَا فَخر» هُوَ بِسُكُون الْخَاء وَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ، فَقيل: كَانَ بَين يَدَيْهِ مُؤمنُونَ ومنافقون، فسر قُلُوب الْمُؤمنِينَ بقوله: «أَنا سيد ولد آدم» وَقطع أَلْسِنَة الْمُنَافِقين بقوله «وَلَا فَخر» وَقيل مَعْنَاهُ: وَلَا فَخر لي بذلك بل فخري بربي، وَقيل غير ذَلِكَ.